بقلم : الداعية عبد الحفيظ الصاوى
إختلف العلماء فى ذلك على ثلاثة أقوال:-
القول الأول :-
إن التسوية واجبة ويحرم على الأب أن لا يسوى بين أولاده وتبطل الهبة مع عدم المساواة وهو قول البخارى والثورى وأحمد وابن المبارك وأهل الظاهر واسحاق وبعض المالكية وقال أبو يوسف صاحب أبو حنيفة تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار.
أدلة أصحاب هذا الرأى :-
(1)السنة:-
روى النعمان بن بشير قال رضى الله عنهما:- [ أعطانى أبى عطية – نِحلة ,هدية– فقالت عمرة بنت رواحة :- لاأرضى حتى تُشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فأتى رسول الله فقال :- إنى أعطيت إبنى من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتنى أن أُشهدك يا رسول الله. قال:- أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال :- لا. قال :- فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال:- فرجع فرد عطيته ] الفتح وفى رواية قال :- [ لاتُشهدنى على جور] وفى رواية [ فلا تُشهدنى إذاً فإنى لا أشهد على جور] وفى رواية [فأَشهِد على هذا غيرى] وفى رواية [ لايصلح هذا وإنى لا أشهد إلا على حق] وفى رواية [ إعدلوا بين أولادكم فى النِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم فى البر] وفى رواية [ إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم فلا تُشهدنى على جور, أيسرك أن يكونوا إليك فى البر سواء ؟ قال :- بلى قال:- فلا إذاً. وفى رواية [ إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك ] وفى رواية [سوِ بينهم ]
(2)القياس:
قياس التفضيل لبعض الأبناء علي الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج بجامع أن كلا منهما يورث العداوة والبغضاء وقطيعه الرحم فوجب الاستواء في الحكم وهو التحريم فيأثم الأب اذا فاضل بين أولاده ويجب عليه التسوية بينهم وتكون اما بالرجوع عن تلك الهبة كما فعل بشير رضي الله عنه أو يهب باقي أولاده حتي يسوبينهم.
وأيضا التسوية مؤدية للواجب وهو صلة الرحم لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي اليهما يكون محرما, والتفضيل مما يؤدي اليهما ويشهد لذلك قوله صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم[اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر] وفي رواية لمسلم أيضا [ أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلي قال فلا إذاً]
القول الثاني:
إن التسوية مستحبة وأن التفضيل جائز وإن أساء وهو مذهب أبو حنيفه والشافعي ومالك.
أدلة أصحاب هذا الرأي:
(1) السنة:-(أ) في نفس حديث النعمان قال النبي صلي الله عليه وسلم [ أرجعه ] فقوله صلي الله عليه وسلم أرجعه دليل علي الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح علي ذلك فلذلك أمره به.
وقد رُد علي ذلك: أن قوله صلي الله عليه وسلم [ أرجعه ] أي لا تمضي الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك صحة الهبة.
(ب) قوله صلي الله عليه وسلم في نفس الحديث [ أشهد علي هذا غيري ] فلو لم تصح لبين له ولم يأمره أن يشهد عليه غيره وإنما امتنع على وجه التنزه له صلي الله عليه وسلم أن يشهد علي ذلك.
وقد رُد علي ذلك :[ أشهد علي هذا غيري ليس بأمر, ولو أمر النبي بإشهاد غيره لامتثل بشير أمره صلى الله عليه وسلم, ولم يحدث وإنما هذا تهديد له علي هذا فيفيد ما أفاده النهى عن إتمامه.
ثانيا :عمل الصحابه فقد ورد عن عائشة أن ابا بكر قال لها في مرض موته[إنى كنت قد نحلتك نحلا–عطيه ,هبه- فلو كنت اخترتيه كان لك وانما هو اليوم مال وارث وانما هما اخواك واختاك فاقتسموا علي كتاب الله ] الموطأ.
فلو كان التفضيل ممنوعا لما فعله ابو بكر مع عائشة. وكذلك عمر نحل إبنه عاصم دون سائر ولده وكذلك عبدا لله.البيهقي
وقد رُد على ذلك بأن ابو بكر اعطاها ذلك بعد رضي إخوانها وكذلك عاصم, أو نحلها ونحل غيرها أو نحلها وأراد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات.
ولو ثبتت هذه الروايات عن الصحابة فإن الحجة في قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا نترك قوله لفعل بعض الصحابة 0
(3) القياس:- لما جازت هبة بعض الأولاد للأب جازت هبة الأب لبعض الأولاد وكذلك يجوز عطية الرجل ماله لغير ولده فاذا جاز له أن يمنع جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يمنع بعض أولاده بالتمليك لبعضهم.
وقد رُد علي ذلك: لا قياس مع وجود النص وهو حديث النعمان السابق ذكره.
القول الثالث:
يجوز التفضيل اذا كان له سبب كأن يحتاج الولد لوجود مرض مزمن أو لقضاء دينه أو لكثرة عائلته أو لاشتغاله بالعلم أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو يستعين بها علي معصية الله.
أدلة هذا الرأي:-
(1)عمل الصحابه أبو بكر وعمر وقد مر في أدلة الرأى الثانى والرد عليه.
(2)حديث النعمان قضية عين –خاصة- لا عموم لها أي حادثة محددة لا تسرى علي غيرها.
(3)النبي صلي الله عليه وسلم لم يستفصل بشير في عطيته ألها سبب أم لا لعلمه صلي الله عليه وسلم بالحال.
وقد رُد عليه أنه لو علم بالحال لما قال [ ألك ولد غيره ] وأجيب علي الرد أن السؤال لبيان العلم كما قال صلي الله عليه وسلم للذي يبيع الرطب بالتمر [ أيَنقُص الرطب اذا يَبس؟ قال: نعم قال: فلا اذاً ] وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل لهذا علي علة المنع من البيع والأمر هنا أيضا كذلك.
الرأي الراجح المختار: يجب علي الوالدين التسوية بين الأولاد في العطايا والهدايا والإنفاق ما استطاعا إلي ذلك سبيلا ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل عملا بالأحاديث السابقة الآمره بالتسوية فقد لمست الأحاديث جانبا خطيرا في علاج المفاضلة بين الأولاد حيث بينت أن الأب في حاجة إلي برهم جميعا وأن المفاضلة نوع من الجور الذي يسبب البغضاء بين الأولاد كما أنه يسبب قطيعه الرحم وقد يسبب عقوق الأب ومعلوم أن الإسلام حرص حرصا كبيرا علي توفير أسباب الوئام في الأسرة الواحدة فحض علي صلة الرحم وجعل القطيعة من الكبائر وحض علي بر الوالدين وجعل العقوق من الكبائر فكل شئ يؤدي إلي القطيعة والعقوق يأخذ حكمها لذلك لا يشك إنسان في أن تفضيل أحد الأولاد اذا كان سيؤدي إلي القطيعة والعقوق أو كليهما حرام وظلم وخروج عن أصول الواجب نحو الأسرة الواحدة0 وكثيرا ما حدث التمزق في الأسرة والتناحر والتقاتل أحيانا بسبب وقوع الأبوين أو أحدهما في خطأ وذنب وغلطة التفضيل سواء التفضيل في العطف الأدبي أو التفضيل في العطاء المادي وقصة اخوة يوسف مع يوسف ومع أبيهم معلومة وهم الذين تربوا في بيت رسول من سلالة أب وجد مرسلين هما إسحاق وإبراهيم عليهما السلام.
كل ذلك الا اذا وجد مبرر ورغم وجود المبرر فالتفضيل ربما يكون مكروها أو مباحا.
وهذا المبرر الذي يجوز به المفاضلة بين الأبناء في العطية هو أحد هذه المبررات:
1-إذا وجد لدي أحد أبنائه مرض مزمن أو كثرة عيال أو دين أو لاشتغاله بالعلم.
2 -إذا كان التفضيل او التخصيص بإذن ورضا الباقين لأن العلة في تحريم التخصيص والتفضيل كونه يورث العداوة وقطيعة الرحم وهي منتفية مع الإذن والرضا.
3-هبة الشئ التافه اليسير لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر ولا تتولد العداوة والبغضاء-كما يعطي الوالد مصروفا لأحد أبنائه ويعطي الآخر أكثر حسب اعتبارات السن أو الحاجة فمن هو في المرحلة الابتدائية غير من هو في المرحلة الجامعية فذلك ممالا يؤثر علي النفوس ولا يولد الحقد
4- ألا يقصد بالتفضيل أو التخصيص الإضرار لأن التسوية بين الأبناء ينبغي أن تكون حتي في التقبيل والكلام والتودد والصلة.
مقتبس من موقع خير أون لاين